الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها وبيان صحيحها
للشيخ /
محمد ناصر الدين الالباني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فهذا مصنف جديد - لم يطبع بعد - من نفائس ما خلفه الشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من كنوز السنة وهو "صحيح الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها وبيان صحيحها من سقيمها وسرد ما صح منها في سياق واحد بأسلوب فريد بديع لاتراه في كتاب"1 نقدمه اليوم للعالم الإسلامي لينشر علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه هو العنوان الكامل الذي خطه الشيخ رحمه الله بيده على غلاف هذا المصنف وكان يريد أن يسرد ما صح من الأحاديث في سياق واحد فريد بديع ولكنه توفي رحمه الله قبل أن يكون ذلك وسنقوم في الطبعات القادمة إن شاء الله بهذا العمل على الوجه الذي أراده الشيخ. الناشر.
ص -4- الشيخ ويستفيد منه العلماء وطلبة العلم ويؤجر عليه الشيخ رحمه الله في قبره.
وهذا المصنف - كغيره - من ذخائر ونفائس مشروع الشيخ العظيم: "تقريب السنة بين يدي الأمة" الذي أفنى فيه عمره وقضى نحو سبعين سنة في خدمة السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم - في إحيائها وتمييز صحيحها من ضعيفها ودعوة الناس جميعا إليها فجزاه الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيرا.
ولكن الله - الذي كتب الموت على كل حي - شاء أن يموت الشيخ قبل أن يتم مشروعه العظيم فجاء هذا المصنف "صحيح الإسراء والمعراج" على هذه الصورة غير مكتمل.
ولقد رأت المكتبة الإسلامية بعمان أن تنشره ليعم به النفع مستعينة على إخراجه - في أحسن صورة ممكنة - ببعض طلبة العلم فجزاهم الله خيرا.
ونود الإشارة إل الرموز التي استعملها الشيخ في هذا المصنف وهي: "خ": البخاري, "م": مسلم, "حم": أحمد بن
ص -5- حنبل, "عبد": عبد الله بن أحمد بن حنبل, "ت": الترمذي, "جرير": ابن جرير ويجدها القارئ داخل الزيادات والروايات للدلالة على مخرجيها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
عمان - الشام الناشر.
3 ذو القعدة 1420هـ
ص -7- 1- حديث أبي هريرة
وله عنه طرق :
الأولى: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام" - فنعته النبي صلى الله عليه وسلم - "فإذا رجل" - حسبته قال: - "مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة".
قال: "ولقيت عيسى" - فنعته النبي صلى الله عليه وسلم - "فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس. يعني: حماما"
قال: "ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه وأنا أشبه ولده به.
فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر. فقيل لي: خذ أيهما شئت. فأخذت اللبن فشربته فقال: هديت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك"
أخرجه البخاري 3394 و 3437 و 4709 و 5576 و 5603 ومسلم 272 وأحمد 2/282 و 512 والبغوي في شرح السنة 3761
ص -8- الثانية: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط قال: فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة. وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي. وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم". يعني: نفسه.
فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه. فالتفت إليه فبدأني بالسلام ".
أخرجه مسلم 278
ص -9- 2 - حديث أنس بن مالك
وقد جاء عنه من طرق مع اختلاف أصحابه في إسناده على وجه :
1 - فرواه الزهري عنه عن أبي ذر رضي الله عنهما.
2 - ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما.
3 - ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البناني عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة.
وفي سياق كل من الثلاثة عنه؛ ما ليس عند الآخر كما أفاده الحافظ فيفتح الباري 1/460
فلنسق رواية كل منهم عنه؛ ليتيسر لنا فيما بعد التقاط ما عندهم من الزيادات على بعضهم؛ بشرط الصحة فأقول :
1 - عن الزهري عن أنس قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"فرج عن سقف بيتي بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه".
ص -10- ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم. قال: أرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح".
[قال: م] "فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت لجبريل: من هذا؟1 قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى.
حتى عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الحافظ 1 /461: ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم: مرحبا. ورواية مالك بن صعصعة الآتية بعكس ذلك وهي المعتمدة فنحمل هذا عليها إذ ليس في هذه أداة ترتيب.
ص -11- قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات: آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر: أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة1.
قال أنس: فلما مر جبريل بالنبي وفي رواية: ورسول الله:[م] صلى الله عليه وسلم بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح.
"فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس.
ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى.
ثم مررت بعيسى2 فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى
ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الحافظ 1/462: هو موافق لرواية شريك عن أنس والثابت في جميع الروايات - غير هاتين - أنه في السابعة والأرجح رواية الجماعة لقوله فيها: أنه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور وهو في السابعة بلا خلاف.
2 ليست ثم على بابها في الترتيب إذ الروايات متفقة على أن المرور به كان قبل المرور بموسى.
ص -12- قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام"1. قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"ففرض الله على أمتي خمسين صلاة.
[قال: م] فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض [عليهم: م] خمسين صلاة. قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك
[قال: م] [فرجعت فراجعت ربي: خ] فراجعني فوضع شطرها2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: تصويتها حالة الكتابة. والمراد: ما تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى
2 في رواية مالك بن صعصعة الآتية: "فوضع عني عشرا"ومثله لشريك. وفي رواية ثابت الآتية أيضا: "فحط عني خمسا "
قال ابن المنير: "ذكر الشطر أعم من كونه وقع دفعة واحدة "
قلت: وكذا العشر فكأنه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس دفعات. أو المراد بالشطر في حديث الباب: البعض. وقد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها كما في "الفتح "
ص -13- [قال: م] فرجعت إلى موسى قلت: وضع شطرها. فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعت فوضع شطرها.
فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك
[قال: م] فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي.
[قال: م] فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك. فقلت: استحييت من ربي.
[قال: م] ثم انطلق بي [جبريل: م] حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟
[قال: م] ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبائل وفي رواية: جنابذ: [خ عبد]1 اللؤلؤ وإذا ترابها المسك".
أخرجه البخاري 349 و 1636 و 3342 ومسلم 263 وروى النسائي بعضه في أول الصلاة لكنه لم يذكر أبا ذر.
ورواه عبد الله بن أحمد 5/143 - 144 لكنه ذكر أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا هو الصواب والرواية الأولى مصحفة وهو بمعنى الرواية الآتية بلفظ: قباب اللؤلؤ. انظر الفتح 1/463.
ص -14- ابن كعب مكان أبي ذر وهو وهم من بعض الرواة؛ كما أشار إليه ابن كثير.
2 - عن قتادة: ثنا أنس عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"بينا أنا عند البيت وفي رواية: عند الكعبة: حم. وفي أخرى: في الحطيم. وربما قال قتادة: في الحجر مضطجع: [حم خ] بين النائم واليقظان؛ إذ أقبل أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملأه حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن فغسل القلب بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا [ثم أعيد: حم خ] [مكانه: جرير]
ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار". [قال: فقال الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال: نعم]. [يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه: حم خ].
[ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إماما: جرير]. ثم انطلقت مع جبريل عليه السلام فأتينا السماء الدنيا قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: ومن معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال :
ص -15- نعم. قيل: مرحبا به ونعم المجيء جاء. [قال: ففتح: حم].
فأتيت على آدم عليه السلام [فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه: حم خ] فسلمت عليه ف [رد السلام و: حم خ] قال: مرحبا بك من ابن ونبي وفي رواية: بالابن الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء الثانية [فاستفتح ف: حم] قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فأتيت على يحيى و عيسى عليهما السلام [وهما ابنا الخالة فقال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما: حم خ] فسلمت عليهما ف [ردا السلام ثم: حم خ] قالا: مرحبا بك من أخ ونبي وفي الرواية الأخرى: بالأخ الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء الثالثة فمثل ذلك.
فأتيت على يوسف عليه السلام [قال: هذا يوسف فسلم عليه. قال: حم خ] فسلمت عليه ف [رد السلام و: حم خ] قال: مرحبا بك من أخ ونبي وفي الرواية الأخرى: بالأخ
ص -16- الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء الرابعة فمثل ذلك.
فأتيت على إدريس عليه السلام [قال: هذا إدريس فسلم عليه. قال: حم خ] فسلمت عليه ف [رد السلام ثم: حم] قال: مرحبا بك من أخ ونبي وفي الرواية الأخرى: بالأخ الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
[قال: حم]: ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء الخامسة فمثل ذلك.
فأتيت على هارون عليه السلام [قال: هذا هارون فسلم عليه. قال: حم خ] فسلمت عليه.
[قال: فرد السلام ثم: حم] قال: مرحبا بك من أخ ونبي وفي الرواية الأخرى: بالأخ الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
[قال: حم] ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء السادسة فمثل ذلك1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأصل فأتيت عليه وهو خطأ مطبعي ظاهر.
ص -17- ثم أتيت على موسى عليه السلام [قال: هذا موسى فسلم عليه: حم خ]. فسلمت عليه ف [رد السلام ثم: حم] قال: مرحبا بك من أخ ونبي وفي الرواية الأخرى: بالأخ الصالح والنبي الصالح: [حم خ].
فلما جاوزته بكى. قيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر وأفضل مما يدخل من أمتي.
[قال: حم] ثم [صعد [بي: خ] حتى: حم] أتينا السماء السابعة فمثل ذلك.
فأتيت على إبراهيم عليه السلام [فقال: هذا [أبوك: خ] إبراهيم فسلم عليه: حم] فسلمت عليه ف [رد السلام ثم: حم خ] قال: مرحبا بك من ابن ونبي وفي الرواية الأخرى: بالابن الصالح والنبي الصالح: [حم خ]".
[قال قتادة: وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: حم خ] قال: "ثم رفع إلي البيت المعمور فسألت جبريل عليه السلام؟ فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون
ص -18- ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم1".
[ثم رجع إلى حديث أنس قال: حم]
[ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل قال: فأخذت اللبن. قال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك: حم].
قال: "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. [فقال: هذه سدرة المنتهى: حم خ]. وإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل؟ فقال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالفرات والنيل".
قال: "ثم فرضت علي خمسون صلاة [كل يوم: حم خ]" [قال: "فرجعت: حم خ] فأتيت على موسى عليه السلام فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت علي خمسون صلاة [كل يوم: حم خ]. فقال: إني [والله: خ] أعلم بالناس منك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ذلك آخر ما عليهم من دخول.
ثم إن قصة رفع البيت وقعت مضمومة في رواية قتادة هذه عن أنس عن ابن صعصعة ورجح الحافظ أنها مدرجة فيه وأنها من رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة كما في هذه الزيادة عند أحمد والبخاري.
ص -19- وفي رواية: قد جربت الناس قبلك و: [خ] إني عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لن يطيقوا ذلك فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك".
قال: "فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته أن يخفف عني فجعلها أربعين.
ثم رجعت إلى موسى فأتيت عليه فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها أربعين. فقال لي مثل مقالته الأولى".
فرجعت إلى ربي عز وجل فجعلها ثلاثين.
فأتيت موسى عليه السلام فأخبرته فقال لي مثل مقالته الأولى فرجعت إلى ربي فجعلها عشرين ثم عشرة ثم خمسة.
فأتيت على موسى فأخبرته فقال لي مثل مقالته الأولى.
فقلت: إني أستحي من ربي عز وجل من كم أرجع إليه؟ [ولكن أرضى وأسلم: حم خ]. ف [لما نفذت: حم] نودي" وفي رواية: "نادى مناد: [حم خ] ): أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي بالحسنة عشر أمثالها".
أخرجه أحمد 4/207 - 210 والسياق له في إحدى رواياته من طريق هشام الدستوائي والبخاري 3207 و 3393
ص -20- و 3430 و 3887 ومسلم 264 و 265 وابن جرير 15/3.
واعلم أن الرواة قد اختلفوا على قتادة في ترتيب ما بعد السماء السابعة من الآيات ففي رواية الدستوائي منهم - وهو أوثقهم - جعلها على الترتيب الآتي كما سبق :
1 - البيت المعمور.
2 - الأواني.
3 - السدرة.
4 - الأنهار.
أما رواية همام - وهو ثقة ربما وهم عند ابن حجر - فقد رتبها هكذا :
1 - السدرة.
2 - الأنهار.
3 - البيت المعمور.
4 - الأواني.
وهي رواية البخاري. وفي أخرى عنده عنه خلافها لكنه قرن معه سعيدا وهشاما فذكر البيت المعمور أولا ثم السدرة.
ص -21- ثم الأنهار ولم يذكر الأواني ويغلب على الظن أنها رواية سعيد - وهو ابن أبي عروبة - لموافقتها لرواية سعيد عند أحمد 4/210 لكن هذه عند مسلم مطابقة تماما لرواية الدستوائي في الترتيب لكنها لم تذكر السدرة.
3 - أما رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة فقد رواه عنه ثابت البناني وشريك بن أبي نمر؛ كما تقدم :
أ - أما رواية ثابت؛ فقال: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"أتيت بالبراق - وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه - قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء.
قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت.
فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: اخترت الفطرة1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا وقع في هذه الطريق ذكر الإناءين هنا قبل المعراج ووقع في الطريق المتقدمة ص 16 بعد المعراج عند سدرة المنتهى ولكل منهما شواهد ذكرها في الفتح 10/73.
ص -22- ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: ومن أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه1. ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل: ومن أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. قال: ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا ودعوا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت: قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح الباب فإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لفظ مسلم هنا وفيما يأتي: "وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه".
ص -23- بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم قال: يقول الله عز وجل:؟ {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم /57].
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بموسى عيه السلام فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم وإذا هو مستند وفي رواية: مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه.
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد.
ص -24- من خلق الله يستطيع أن يصفها وفي رواية: ينعتها من حسنها.
قال: فأوحى الله عز وجل إلي ما أوحى وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم.
قال: فرجعت إلى ربي عز وجل فقلت: أي رب! خفف عن أمتي. فحط عني خمسا.
فرجعت إلى موسى فقال: ما فعلت؟ قلت: حط عني خمسا. قال: إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك.
قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمسا خمسا حتى قال: يا محمد! هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة.
ومن هم بحسنة فلم يعملها؛ كتبت [له] حسنة فإن عملها كتبت [له] عشرا. ومن هم بسيئة فلم يعملها؛ لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة.
ص -25- [قال:] فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فقلت:] لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحيت [منه]".
أخرجه أحمد 3/148 والسياق له ومسلم 259 من طريق حماد بن سلمة: أنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.... فذكره.
والروايات الأخرى مع الزيادات لمسلم.
وفي رواية لأحمد 3/152 و 247 من الوجه المذكور عنه: أنه قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقا فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته؛ فإذا هو مسكة ذفرة وإذا حصاه اللؤلؤ".
وهذا طرف من حديث المعراج كما يأتي في بعض الطرق ولذلك أوردته.
وفي رواية عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ص -26- "أتيت وفي رواية: مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره".
أخرجه مسلم 164 والنسائي في قيام الليل وأحمد 3/148 و 248.
فائدة: قال الحافظ ابن كثير - بعد أن ساق الحديث بطوله من رواية أحمد-:
رواه مسلم بهذا السياق وهو أصح من سياق شريك يعني: الآتي قريبا. قال البيهقي: وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس. وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية.
ورواه النسائي في أول الصلاة من طريق أخرى عن البناني عنه :
( أن الصلوات فرضت بمكة وأن ملكين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبا به إلى زمزم فشقا بطنه وأخرجا حشوه في طست من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم كبسا جوفه حكمة وعلما.
وسنده صحيح.
ب - أما رواية شريك بن أبي نمر؛ فقال: سمعت أنس بن
ص -27- مالك يقول: وفي رواية: يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة :
أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم. فقال أحدهم: خذوا خيرهم.
فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه و [النبي صلى الله عليه وسلم] تنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل.
فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني: عروق حلقه - ثم أطبقه.
[ثم ركب البراق فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى فيه بالنبيين والمرسلين إماما جرير]1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يقف الحافظ على هذه الزيادة فقال 13/481: في هذا السياق حذف تقديره: ثم أركبه البراق إلى بيت المقدس. وهذا ثابت في رواية ابن جرير كما ترى.
ص -28- ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد. قال: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: فمرحبا به وأهلا. فيستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم.
فوجد في السماء الدنيا آدم. فقال له جبريل: هذا أبوك فسلم عليه. فسلم عليه ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بني نعم الابن أنت.
فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: "ما هذان النهران يا جبريل؟". قال: هذان النيل والفرات: عنصرهما.
ثم مضى به في السماء فإذا بنهر آخر1 عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر. قال: "ما هذا يا جبريل؟". قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك.
ثم عرج إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الحافظ: "هذا مما يستشكل من رواية شريك فإن الكوثر في الجنة والجنة في السماء السابعة..."ثم ذكر حديث حميد الآتي ص 46.
ص -29- قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به وأهلا.
ثم عرج به إلى السماء الثالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية.
ثم عرج به إلى الرابعة فقالوا له مثل ذلك.
ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا له مثل ذلك.
ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك.
ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية.
وهارون في الرابعة.
وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه.
وإبراهيم في السادسة.
وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى: رب! لم أظن أن يرفع علي أحد.
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله.
حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى
ص -30- حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى.
فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.
ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة". قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت. فعلا به إلى الجبار فقال - وهو مكانه -: "يا رب! خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا". فوضع عنه عشر صلوات.
ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه؛ حتى صارت إلى خمس صلوات.
ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد! والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك.
كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل.
ص -31- فرفعه عند الخامسة1 فقال: "يا رب! إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم؛ فخفف عنا". فقال الجبار: يا محمد! قال: لبيك وسعديك! قال: إنه لا يبدل القول لدي؛ كما فرضت عليك في الكتاب. قال: فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك.
فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: "خفف عنا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا التنصيص على الخامسة على أنها الأخيرة يخالف رواية ثابت عن أنس أنه وضع عنه كل مرة خمسا وأن المراجعة كانت تسع مرات ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعد تقرير الخمس لطلب التخفيف مما وقع من تفردات شريك في هذه القصة والمحفوظ ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لموسى في الأخيرة: "استحييت من ربي" وهذا صرح بأنه راجع في الأخيرة "وأن الجبار سبحانه قال له: يا محمد قال: لبيك وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لدي "
وقد أنكر ذلك الداودي فيما نقله ابن التين فقال: "الرجوع الأخير ليس بثابت والذي في الروايات أنه قال: استحييت من ربي فنودي: أمضيت فريضتي وخففت من عبادي "
وقوله هنا: "فقال موسى: ارجع إلى ربك"قال الداودي: "كذا وقع في هذه الرواية: أن موسى قال له: ارجع إلى ربك. بعد أن قال: لا يبدل القول لدي. ولا يثبت لتواطؤ الروايات على خلافه وما كان موسى ليأمره بالرجوع بعد أن يقول الله تعالى له ذلك". انتهى
ص -32- أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها".
قال موسى: قد - والله - راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا موسى! قد - والله - استحييت من ربي مما اختلفت إليه".
قال: فاهبط باسم الله.
قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام.
أخرجه البخاري 3570 و 7517 ومسلم 262 والرواية الثانية له وهي رواية للبخاري وفيها الزيادة ولم يسق مسلم الحديث إلا طرفه الأول إلى قوله: "وهو نائم في المسجد الحرام" وقال عقبه :
"وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص".
ورواه ابن جرير أيضا 15/3 - 5؛لكن وقع في متنه اختلاف فإنه ذكر نهري الفرات والنيل في السماء الثانية ونهر الكوثر في السماء الثالثة بينما هي عند البخاري في السماء الدنيا.
ص -33- ولعل هذا الاختلاف هو من شريك نفسه فإنه وإن كان من رجال الشيخين؛ فقد تكلموا في حفظه؛ كما تراه مبسوطا في كتب الرجال وقال الحافظ فيه "في التقريب": "صدوق يخطئ".
ومصداق ذلك في هذا الحديث نفسه في مواضع منه ذكرت آنفا أحدها ويأتي ذكر سائرها أو بعضها وكأنه لذلك لم يسق الإمام مسلم لفظ حديثه كما تقدم ولذا قال ابن كثير في "التفسير":
وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه؛ كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر ومنهم من يجعل هذا مناما توطئة لما وقع بعد ذلك. والله أعلم.
وقد قال الحافظ البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل. يعني: قوله :
"ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}".
قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته صلى الله عليه وسلم جبريل أصح.
ص -34- وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق فإن أبا ذر قال: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نورا". أخرجه مسلم.
وقوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}: إنما هو جبريل عليه السلام؛ كما ثبت في "الصحيحين" عن عائشة أم المؤمنين وعن ابن مسعود وكذلك هو في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا". انتهى كلام ابن كثير.
قلت: وانظر كتابي ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة 1/191.
ومن ذلك قول شريك في أول الحديث: "قبل أن يوحى إليه". قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/480:
أنكره الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي. وعبارة النووي: وقع في رواية شريك - يعني: هذه - أوهام أنكرها العلماء أحدها: قوله: قبل أن يوحى إليه وهو غلط لم يوافق عليه. وأجمع العلماء أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي؟! انتهى.
ص -35- وصرح المذكورون بأن شريكا تفرد بذلك وفي دعوى التفرد نظر فقد وافقه كثير بن خنيس - بمعجمة ونون مصغر - عن أنس؛ كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في "كتاب المغازي" من طريقه. انتهى كلام ابن حجر.
قلت: وهذه المتابعة لا تدفع غلط القول المذكور إلا على افتراض أن ذلك كان في الليلة الأولى وهو الظاهر من السياق فقوله بعده: "حتى أتوه ليلة أخرى" ليس فيه ذلك فإنه لم يعين المدة التي بين المجيئين فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه وحينئذ وقع الإسراء والمعراج وبهذا جزم الحافظ في "الفتح" 13/480 ورد به قول من ادعى أنه خالف الإجماع. فراجعه.
ثم أفاض الحافظ في ذكر المواضع التي خالف فيها شريك غيره فبلغت عشرة بل أكثر وأجاب عنها واحدة بعد أخرى؛ إما بدفع دعوى التفرد؛ وإما بالتأويل.
والحق أن بعض ذلك مما لا جواب عليه حتى عند الحافظ؛ كقوله :
"الرابع: مخالفته في محل سدرة المنتهى وأنها فوق السماء
ص -36- السابعة بما لا يعلمه إلا الله. والمشهور أنها في السابعة أو السادسة كما تقدم.
الخامس: مخالفته في النهرين؛ وهما النيل والفرات وأن عنصرهما في السماء الدنيا. والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة وأنهما من تحت سدرة المنتهى.
السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا والمشهور في الحديث أنه في الجنة كما تقدم التنبيه عليه.
الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل والمشهور في الحديث أنه جبريل كما تقدم التنبيه عليه.
الحادي عشر: رجوعه صلى الله عليه وسلم بعد الخمس والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه السلام أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس فامتنع.
الثاني عشر: زيادة ذكر التور في الطست.
قلت: ولذلك فإن القلب لا يطمئن للاستفادة من حديثه إلا فيما توبع عليه وهو قليل جدا وقد حسن الحافظ بعضها. والله أعلم.
ص -37- ثم إن لحديث أنس طرقا أخرى أكثرها مختصر وبعضها فيه بعض الطول فلنسقها أيضا لنتكلم على أسانيدها ثم نلتقط منها فوائدها وزوائدها إذا كانت على شرطنا.
الأولى: عن قتادة عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجما مسرجا فاستصعب عليه فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟! فما ركبك أحد أكرم على الله منه.
قال: فارفض عرقا.
أخرجه أحمد 3/164 والترمذي 3131 وابن جرير 15/15 وإسناده صحيح وقال الترمذي :
"حديث حسن غريب".
وعن قتادة عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت: يا جبريل! ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات".
ص -38- أخرجه أحمد 3/164: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن قتادة.
قلت: وهذا إسناده صحيح على شرط الشيخين وقد علقه البخاري في "صحيحه" 5610 فقال: وقال إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة به وزاد :
"فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن وقدح فيه عسل وقدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك".
وقال الحافظ 10/73:
وصله أبو عوانة والإسماعيلي والطبراني في "الصغير" من طريقه ووقع لنا بعلو في "غرائب شعبة" لابن منده قال الطبراني: لم يروه عن شعبة إلا إبراهيم بن طهمان تفرد به حفص بن عبد الله النيسابوري عنه.
قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري وكذا من فوقه ثقات فالسند صحيح.
وفي رواية للبخاري 4964 وأحمد 3/207 من طريق شيبان: حدثنا قتادة عنه رضي الله عنه قال :
ص -39- لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "وفي راوية: بينا أنا أسير في الجنة" حم 3/207 "أتيت على نهر حافتاه قباب" وفي رواية حميد 3/263: "خيام اللؤلؤ" وفي الرواية الأخرى: "الدر المجوف". فقلت: ما هذا يا جبريل؟! قال: هذا الكوثر [الذي أعطاك ربك عز وجل. قال: فضربت بيدي فيه وفي رواية ثالثة: فأهوى الملك بيده فإذا طينه المسك الأذفر وإذا رضراضه اللؤلؤ]"
والرواية الأخرى للبخاري أيضا 6581 وكذا أحمد 3/191 و 207 و 289 والزيادة له في رواية 3/231 و 232 وهي في الرواية الأخرى للبخاري وأحمد دون قوله: "رضراضه اللؤلؤ".
وأما الرواية الثالثة فهي في رواية شيبان عند أحمد.
وفي أخرى له 3/232: "قال الملك الذي معي: أتدري ما هذا؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك. فضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك".
ولم يستحضر الحافظ ابن حجر هاتين الروايتين من المسند فعزا في الفتح 8/732 الأولى منهما للبيهقي فقط!
الثانية: عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عنه قال :
ص -40- لما جاء جبريل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنها ضربت بذنبها فقال لها جبرئيل: مه يا براق! فوالله إن ركبك مثله!
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق أي: على جنب الطريق. قال أبو جعفر: ينبغي أن يقال: نائية ولكن أسقط منها التأنيث فقال: "ما هذه يا جبرئيل؟". قال: سر يا محمد.
فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد! قال جبرئيل: سر يا محمد!.
فسار ما شاء الله أن يسير.
قال: ثم لقيه خلق من الخلائق فقال أحدهم: السلام عليك يا أول! والسلام عليك يا آخر! والسلام عليك يا حاشر! فقال له جبرئيل: اردد السلام يا محمد! قال: فرد السلام.
ثم لقيه الثاني فقال له مقالة الأول [ثم الثالث كذلك]1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقطت من ابن جرير واستدركتها من ابن كثير ووقع فيهما بعض الأخطاء فصححتها باجتهاد مني.
ص -41- حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء واللبن والخمر فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن فقال له جبرئيل: أصبت يا محمد! الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك.
ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة.
ثم قال له جبرئيل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز.
وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه وأما الذين سلموا عليك فذاك إبراهيم وموسى وعيسى.
أخرجه ابن جرير 15/6 والبيهقي في "الدلائل" كما في "تفسير ابن كثير" 3/5 وقال : "وفي بعض ألفاظه نكارة وغرابة".
قلت: وعلته عبد الرحمن بن هاشم هذا فإني لم أجد من ترجمه. ومن طريقه أورده السيوطي في "الخصائص" 1/387 برواية ابن مردويه أيضا في "التفسير" والبيهقي.
ص -42- الثالثة: عن يزيد بن أبي مالك قال: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعي جبريل عليه السلام.
فسرت فقال: انزل فصل. ففعلت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر.
ثم قال: انزل فصل. فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بـ "طور سيناء" حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام.
ثم قال: انزل فصل. فنزلت فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بـ "بيت لحم" حيث ولد عيسى عليه السلام ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم.
ثم صعد بي إلى السماء الدنيا... قلت: فذكر السماوات السبع والأنبياء الذين فيها ثم قال: ثم صعد بي فوق سبع سماوات فأتينا سدرة المنتهى
ص -43- فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي: إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك.
فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني عن شيء.
ثم أتيت على موسى فقال: كم فرض الله عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: قلت: فذكر أمر موسى إياه بمراجعة ربه ليخفف عنه على نحو ما تقدم حتى ردت إلى خمس صلوات ثم قال:
قال: فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما.
فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته التخفيف فقال: إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فخمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك. فعرفت أنها من الله صرى.
فرجعت إلى موسى عليه السلام فقال: ارجع.
فعرفت أنها من الله تبارك وتعالى صرى "أي: حتم" فلم أرجع".
ص -44- أخرجه النسائي
ويزيد - هو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي - صدوق ربما وهم يرويه عنه سعيد بن عبد العزيز - وهو التنوخي الدمشقي - وهو ثقة إمام ولكنه اختلط في آخر عمره كما في التقريب ولذلك قال ابن كثير في هذه الطريق :
"فيها غرابة ونكارة جدا".
وقد تابعه خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن أنس فذكر أوله إلى: "طرفها" وقال :
فلما بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الذي يقال له: باب محمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى الحجر الذي ثمة فغمزه جبريل بإصبعه فنقبه ثم ربطها.
ثم صعد فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل: يا محمد! هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ فقال: "نعم". فقال: انطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة. قال: "فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن السلام فقلت: من
ص -45- أنتن؟ فقلن: نحن خيرات حسان نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا وأقاموا فلم يظعنوا وخلداوا فلم يموتوا.
قال: ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة.
قال: فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل عليه السلام فقدمني فصليت بهم.
فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد! أتدري من صلى خلفك؟ قال: قلت: لا. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل.
قال: ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء قلت: فذكر عروجه إلى السماوات ولقاءه الأنبياء فيها بنحو ما سبق ثم قال: ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت فقلت: يا جبريل! إن هذا الطير لناعم. قال: يا محمد أتدري أي نهر هذا؟ قال: قلت: لا. قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله إياه. فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على
ص -46- رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن.
قال: فأخذت من آنيته آنية من الذهب فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك.
ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى الشجرة فغشيتني سحابة فيها من كل لون فرفضني جبريل وخررت ساجدا لله عز وجل فقال الله لي: يا محمد! إني يوم خلقت السماوات والأرض..." قلت: فذكر الحديث بنحو حديث ابن عبد العزيز إلى خمس صلوات وأنهن خمس بخمسين ثم قال:
قال: ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "ما لي لم آت أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا لي غير رجل واحد فسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك لي؟! قال: يا محمد! ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك".
قال: ثم ركب منصرفا فبينما هو في الطريق مر بعير لقريش تحمل طعاما منها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر.
ص -47- ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر! هل لك في صاحبك؟! يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ورجع في ليلته؟! فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا لنصدقه على خبر السماء.
فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما علامة ما تقول؟
قال: "مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا فنفرت الإبل منا واستدارت وفيها بعير عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء فصرع فانكسر".
فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر: الصديق.
وسألوه وقالوا: هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال: "نعم". قالوا: فصفهم لنا. قال:
"نعم أما موسى فرجل آدم كأنه من رجال أزد عمان وأما عيسى فرجل ربعة سبط تعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجمان".
ص -48- أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" وقال:
"هذا سياق فيه غرائب عجيبة".
قلت: وآفته خالد بن يزيد فإنه ضعيف مع كونه فقيها وقد اتهمه ابن معين كما في "التقريب".
الرابعة: عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" [لما] انتهيت إلى السدرة [المنتهى] فإذا نبقها مثل الجرار وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتا أو زمردا أو نحو ذلك".
أخرجه أحمد 3/128: ثنا محمد بن أبي عدي عن حميد به.
قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين.
وكذا رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 591 - بتحقيقي والزيادتان له وابن جرير 27/53.
وهذه الطريق مما فات على الحافظ ابن كثير ثم السيوطي!
ثم روى أحمد 3/103 بإسناده المذكور عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ص -49- "دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر.
قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله".
ثم أخرجه 3/115 - 116 و 263 من طريقين آخرين عن حميد به.
الخامسة: عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك قال :
فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودي: يا محمد! إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين.
أخرجه أحمد 3/161 وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
السادسة: عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك [عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"مررت - ليلة أسري بي - على موسى فرأيته قائما يصلي في قبره".
أخرجه أحمد 3/120 ومسلم 2375 والنسائي في قيام الليل والزيادة له في رواية وكذا أحمد 5/59 و 362
ص -50- و 365 والبغوي في "شرح السنة" 3760.
وهو عندهم في رواية مقرون مع رواية ثابت البناني وقد مضت ص 23.
"تنبيه": وقد غمز في صحة الحديث الدكتور خليل الهراس رحمه الله في تعليقه على الخصائص الكبرى بقوله 1/389 :
"وقد اضطربت رواية هذا الحديث عن أنس فمرة يروى مرفوعا ومرة موقوفا ومرة يرويه أنس عن غيره من الصحابة. والله أعلم".
قلت: ومع اعترافي بعلم الدكتور وفضله رحمه الله أراني مضطرا إلى أن أقول: إن هذا الإعلال لا يمت بصلة إلى هذا العلم الشريف فإن كون أنس يرويه - أو يروى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون واسطة تارة وبالواسطة تارة ليس بعلة عند أهل العلم بالحديث مطلقا لأنه إن كان لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم - وهو الظاهر - فهو مرسل صحابي ومراسيل الصحابة حجة والصحابي الذي حدثه وإن لم يسم فهو ثقة لأن الصحابة كلهم عدول.
ص -51- وأما أنه يروى مرة موقوفا فهو مجرد دعوى فإنه يشير بذلك إلى ما ذكره السيوطي - عقب حديث مسلم - من رواية أبي يعلى والبيهقي عن أنس قال: حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
أن النبي صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به - مر على موسى وهو يصلي في قبره قال: وذكر لي أنه حمل على البراق قال: "فأوثقت الفرس - أو قال: الدابة - بالحلقة"1. فقال أبو بكر: صفها لي يا رسول الله فقال: "هي كذه وذه". قال: وكان أبو بكر قد رآها.
قلت: فلقوله في هذه الرواية: إن النبي صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به - مر... إلخ توهم الدكتور أنه موقوف وهذا أبعد ما يكون عن الصواب لأنه مرفوع وإن لم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يتحدث عنه صلى الله عليه وسلم كأحاديث المناهي والشمائل وغيرها فهل يقول أحد عنها: إنها موقوفة؟!
السابعة والثامنة: عن راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "